زجاج يس ---- صناعة مصرية ولان الحقيقة الغائبة تؤكد أن مصر هي التي اخترعت الزجاج وهى التي عرف أبناؤها أسرار صناعته وأدركوا بمهارة زائدة طرق تلوينه وبرعوا فيها براعة جعلتهم يقلدون الأحجار الكريمة ويشهد بذلك ما وجد فى قبورهم من آثار فى الدير البحري مما أدهش علماء الآثار والمتخصصين فى العلوم الكيماوية، وعن المصريين القدماء أخذ الفرس صناعات الزجاج وعنهم تعلم الرومانيون حتى كانت الإسكندرية هي وحدها موردة المصنوعات الزجاجية للدولة الرومانية ،وعنهم أخذت الدولة البيزنطية وعلى نسقهم استمر العرب يصنعون المصنوعات التى تزدان بها جوامع القاهرة . وللأسف لم يقدر لهذه البراعة أن تستمر بينما اخذ عهد التجديد فى أوروبا يسهم في تنشيط الفنون والصناعات وتفوقت مدينة "البندقية" فى إنتاجها واستطاعت أن تسود العالم كما كان القدماء المصريون يهيمنون عليه فى عصور سابقة.أما فى القرن الثامن عشر فقد حاول محمد على أن يحيي صناعة الزجاج من جديد وعين إرسالياته العلمية إلى أوروبا ومن يتخصص فى هذا المجال ونجح فى تشييد عدة مصانع يكفى إنتاجها للاستهلاك المحلي لكن للأسف توقفت بعد وفاته. وظلت مصر هكذا حتى صدور التقرير الصادر عن الحكومة المصرية فى مطلع عام 1928 والذي حمل عنوان "إنشاء الصناعات فى مصر" وقال كانت مصر تستورد من الخارج جميع ما تحتاج إليه من زجاج النوافذ والأبواب والمرائي والقناني وغير ذلك من أشياء أخرى مصنوعة من الزجاج البلور حيث بلغ ما دفعه المصريون ثمناً للواردات من هذه الأصناف فى عام 1927 ما يقرب من نصف مليون جنيه وبالتحديد 481,640 جنيهاً ولم يكن فى مصر مصنعا واحد للزجاج باستثناء صناع جهة باب النصر بالقاهرة، وقد يكون لهم مثيل فى الإسكندرية ويعدون بالعشرات يستجمعون الزجاج المكسور ويستعملونه مادة جديدة بأفران عتيقة وينفخون فيه ليصنعوا منه (الغويشات) الزجاجية لتتجمل بها النساء لرخص ثمنها ،واستمرت هذه الحالة حتى نهاية العشرينيات من القرن العشرين. الا انه فى أعقاب الحرب العالمية الثانية استرجعت مصر هيبتها فى هذه الصناعة عندما أنشأ ياسين أول مصنع من نوعه فى الشرق الأوسط لصناعة الزجاج المسطح .بدأ محمد سيد ياسين مشروعه العملاق فى مطلع الثلاثينيات ، وقد لعب رائد الاقتصاد المصري الحديث طلعت حرب دوراً كبيراً فى تدعيم هذا المشروع ،حيث اتخذت الحكومة المصرية قراراً بتقديم "سلف صناعية" للجادين من رجال الأعمال والاستثمار ،وأوكلت إلى بنك مصر مسئولية دراسة هذه السلف، وكان محمد سيد ياسين فى طليعة المتقدمين لطلب سلفة تعينه فى إنشاء مصنع الزجاج فى منطقة شبرا الخيمة.ونجح سيد ياسين فى إنشاء مصانع تدار بأيد مصرية وعمالة مصرية ومهندسين مصريين بعد أن استغنى عن المدربين التشيك ودخلت صناعته كل بيت فى مصر . وحذف اسمه من على كوب زجاج مصنعه لتستبدل به كلمة نصر ولكن وزير الصناعة فى ذلك الوقت محمد فؤاد أبو زغلة أعاد اسمه مرة أخرى على كوب ياسين.ولكنها ذهبت وذهب معها, وعندما قامت الثورة أممت مصانعه ولم يبق له منها سوى معاش قدره 75 جنيهاً لا تكفي حتى ثمن الدواء.